اعتدنا القول: إلى متى السكوت؟ في ظل أوضاع لا يختلف على سوئها اثنان، لكننا قليلاً ما نتساءل: إلى متى الكلام؟ ونحن نرى مزيداً من التدهور رغم الزخم الهائل من القيل والقال.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ـ عز وجل ـ حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ورواه الإمام مسلم أيضا في صحيحه.
ولا يحتاج موضوع كثرة السؤال إلى بيان إزاء ما نراه من كثرة البرامج الفضائية التي تجيب على أسئلة الناس، وبدلاً من أن يتجه الإنسان إلى كتاب فيقرأه أو إلى (الإنترنت) فيبحث عن حل لإشكال عنده؛ تجده لا يفكر إلا في سؤال الآخرين، في تعبير عن ضعف في الهمة تعاني منها الأمة! ونستثني من ذلك بطبيعة الحال ما يحتاج الإنسان إليه للتفقه في أمور دينه، أو ما يهمه من أمور دنياه.
وحتى على المعنى الآخر الذي يفسر كثرة السؤال بأنه القطع في المسائل، والإكثار من السؤال عما لم يقع، ولا تدعو إليه حاجة، أو السؤال عن أخبار الناس، وأحداث الزمان، وما لا يعني الإنسان، فهذا أمر قد تأكدت مفاسده في انشغال الناس عن العبادات، وقلة التفكير في آخرتهم، وانتشار ثقافة الاتكال على الآخرين في كل شيء، وقلة البرامج والمشروعات ذات الأثر بعيد المدى، وضعف المسابقة إلى الخيرات والرضا بواقع معاشهم في فهم مزور للزهد.
(إلى متى الكلام) نحتاج إلى تكرارها؛ لأن الصمت خير هذه الأيام من كثرة الكلام الهازل المروج للتميع في الدين، والمسوغ للمنكرات، وكذلك لأن الصمت خير من الوقوع في أعراض الناس – وبعضهم ممن له قدم في الدعوة - بحجة الإصلاح والنصيحة.
(إلى متى الكلام) نحتاج أن نرفعه شعاراً في وجه من يريدون خداع الأمة بالشعارات، متخذين من رداء الإصلاح عنواناً. ليقال لهم اسكتوا فقد كثر كلامكم وقلت أفعالكم. اسكتوا فقد حان الوقت ليتكلم غيركم، واسكتوا فقد ملت الآذان من تبريراتكم وثرثرتكم وبياناتكم التي باتت عنواناً للانهزام النفسي وقاموساً لعبارات الذل والهوان.
إننا اليوم بحاجة إلى فترة من السكوت لعل الصمت يكون سبباً لقلة السقط، وفي القول المأثور: "مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقْطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ". هذا رأي حول الصمت فلم لا نجربه ونرى؟
تحياااتي لكم